الطريقة المثلى لاستغلال الوقت
السؤال: هذا شخص هداه الله يقول: إنه كان في المعاصي وهداه الله، وهو نادم على كل لحظة ضاعت من وقته، والآن يريد أن يطلب العلم، فما هي الطريقة المثلى لترتيب الوقت والاستفادة منه؟
الجواب: هذا فضل من الله، وهذا الندم من خير ما ترجو عند الله، ويرجو كل واحد منا ذلك من ندمه على ما فرط من عمره، وخوفه من عذاب الله سبحانه، وخوفه من ذنوبه ومعاصيه، هذا الخوف نفسه نرجو به أن ننال رضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنا؛ لأن النفاق ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق.
ويرى المؤمن ذنبه كالجبل يكاد أن يقع عليه، أما المنافق مهما كسب من ذنب، فهو ينظر إليه كذباب وقع على أنفه ثم طار..!
فالخوف من الذنوب أمر محمود، ونسأل الله أن يجعله وسيلة لهذا الأخ ولنا جميعاً إلى أن نجدَّ في طلب الطاعات وفي كسب رضا الله فيما بقي من أعمال.
أما طلب العلم فيختلف بحسب رغبتك أنت واهتمامك ومجالك الذي تريد أن تطلب فيه، وأيضاً بحسب وقتك وظروف عملك.
أقول: عليك أن تجتهد بما تستطيع وتستعين بالله سبحانه { ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً يسَّر الله له به طريقاً إلى الجنة } بإذن الله.
وهنا قضية مهمة واقعية، فالشاب أول ما يهتدي وأول ما يستقيم يكون له دافع تعويض ما فات، ينظر إلى الشباب المستقيمين: هذا له عشرين سنة يصلي وأنا ما كنت أصلي، وهذا يقرأ القرآن وأنا ما كنت أقرأ إلا اللهو أو الحرام، هذا يجتهد في الطاعة وأنا كنت غارقاً في المعاصي، فيشعر أنه فات عمره، والعمر لا يعوض، فكل شيء قد يعوض إلا الوقت، فما ذهب ذهب وانتهى، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك}، فإذا كان الآن في الثلاثين أو العشرين فقد ذهب ثلثه أو نصفه، إذاً هذه مشكلة، إذا تأملها العاقل -وكل من يهتدي فقد عقل- فإنه يفكر هذه الأفكار، فيكون عنده قوة وحماس، فيأتي على المنكرات، ويقول: اليوم لا بد أن نطهر البيت من الفساد،ونغير الكشف، ونقضي على الاختلاط، ونغير كذا في العائلة، ونفعل ونفعل، فأول ما يبدأ يبدأ بهذه القوة وبهذا الحماس، فيضعف بعد فترة:
أولاً: لأنه تحمل من البلاء ما لا يطيق، وهو لا يزال ضعيف البنية، ولا يزال يزحزح صخرة أو جبلاً قوياً فلا يستطيع.
ثانياً: لأن الإيمان يزيد وينقص! ولا بد من مراعاته ومتابعته وتجديده، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب}، أي: مثلما يبلى الثوب يبلى الإيمان، فجددوا إيمانكم، جددوه بذكر الله، وبقراءة القرآن، ومجالسة الصالحين.. وهكذا؛ فالإنسان يكون في حالة حماس، ثم قليلاً قليلاً.. لا يدري إلا وقد فتر، بعد القيام النشيط إلى طاعة الله يضعف، بعد الاهتمام القوي في القرآن تراه بعد فترة يقول: والله ما قدرت أحفظ إلا جزءاً، وبعد ذلك انقطعت ثم فترت..!
الإيمان يزيد وينقص، ويحتاج دائماً إلى دفع مستمر، إلى شحن زيادة حتى لا يضعف، كلما أراد أن يضعف نقويه، والهمة تحتاج إلى تجديد، بل مع التفكر في هذه الأمور ومع الانتباه والاحتراس -إن شاء الله- نتلافى الفتور.
ومن أهم أسباب تلافي الفتور: مصاحبة الإخوة الأخيار، لأنه إذا صادف عندي حالة ضعف، فتكون عند أخي حالة قوة، وبعضنا ينشط بعضاً، أما الإنسان وحده فيضعف ويخمل وهو لا يدري.